الملل
والنحل ج: 1 ص: 27
الخلاف
العاشر فى زمان أمير المؤمنين على رضى الله عنه بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له
فأوله خروج طلحة والزبير الى مكة ثم حمل عائشة إلى البصرة ثم نصب القتال معه ويعرف
ذلك بحرب الجمل والحق أنهما رجعا وتابا إذ ذكرهما أمرا فتذكراه فأما الزبير فقتله
ابن جرموز بقوس وقت الانصراف وهو فى النار لقول النبى صلى الله عليه وسلم بشر قاتل ابن صفية بالنار وأما طلحة فرماه مروان ابن الحكم بسهم وقت
الإعراض فخر ميتا واما عائشة رضى الله عنها فكانت محمولة على ما فعلت ثم تابت بعد
ذلك ورجعت والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين ومخالفة الخوارج
وحمله على التحكيم ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعرى وبقاء الخلاف
إلى وقت وفاته مشهور وكذلك الخلاف بينه وبين الشراة المارقين بالنهروان عقدا وقولا
ونصب القتال معه فعلا ظاهرا معروف وبالجملة كان على رضى الله عنه مع الحق والحق
معه وظهر فى زمانه الخوارج عليه مثل الأشعث ابن قيس ومسعود بن فدكى
التميمي وزيد بن حصين الطائى وغيرهم وكذلك ظهر فى زمانه الغلاة فى حقه مثل عبدالله
بن سبإ وجماعة معه ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة وصدق فيه قول النبى صلى
الله عليه وسلم يهلك فيه اثنان محب غال
ومبغض قال وانقسمت الاختلافات بعده إلى
قسمين أحدهما الاختلاف فى الإمامة والثانى الاختلاف فى الأصول
الملل
والنحل ج: 1 ص: 28
والاختلاف فى الإمامة على
وجهين أحدهما القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار والثانى القول بأن
الإمامة تثبت بالنص والتعيين فمن قال أن
الإمامة تثبت بالإتفاق والاختيار قال بإمامة كل من اتفقت عليه الآمة أو جماعة
معتبرة من الأمة إما مطلقا وإما بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم وبشرط أن يكون
هاشميا على مذهب قوم إلى شرائط أخرى كما سيأتى
ومن قال بالأول قال بإمامة معاوية وأولاده وبعدهم بخلافة مروان
وأولاده والخوارج اجتمعوا فى كل زمان على
واحد منهم بشرط أن يبقى على مقتضى اعتقادهم ويجرى على سنن العدل فى معاملاتهم وإلا
خذلوه وخلعوه وربما قتلوه ومن قالوا أن
الإمامة تثبت بالنص اختلفوا بعد على رضى الله عنه فمنهم من قال إنه نص على ابنه
محمد بن الحنفية وهؤلاء هم الكيسانية ثم اختلفوا بعده فمنهم من قال إنه لم يمت
ويرجع فيملأ الارض عدلا ومنهم من قال أنه مات وانتقلت الإمامة بعده إلى ابنه أبى
هاشم وافترق هؤلاء فمنهم من قال الإمامة بقيت فى عقبه وصية بعد وصية ومنهم من قال
إنها انتقلت الى غيره واختلفوا فى ذلك الغير فمنهم من قال هو بنان ابن سمعان
النهدى ومنهم من قال هو على بن عبدالله بن عباس ومنهم من قال هو عبدالله بن حرب
الكندى ومنهم من قال هو عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر ابن أبى طالب وهؤلاء
كلهم يقولون إن الدين طاعة رجل ويتأولون أحكام الشرع كلها على شخص معين كما ستأتى
مذاهبهم وأما من لم يقل بالنص على محمد
بن الحنفية فقال بالنص على الحسن والحسين رضى الله عنهما وقال لا إمامة فى الأخوين إلا الحسن والحسين رضى
الله عنهما ثم اختلفوا فمنهم من أجرى الإمامة فى أولاد الحسن فقال بعده بإمامة
ابنه الحسن ثم ابنه عبدالله ثم ابنه محمد ثم أخيه إبراهيم الإمامين وقد خرجا فى
أيام المنصور فقتلا فى أيامه ومن
الملل
والنحل ج: 1 ص: 29
هؤلاء
من يقول برجعه محمد الإمام ومنهم من أجرى الوصية فى أولاد الحسين وقال بعده بإمامة
ابنه على بن الحسين زين العابدين نصا عليه ثم اختلفوا بعده فقالت الزيدية بامامة
ابنه زيد ومذهبهم أن كل فاطمى خرج وهو عالم زاهد شجاع سخى كان اماما واجب الاتباع
وجوزوا رجوع الامامة الى اولاد الحسن ثم منهم من وقف وقال بالرجعة ومنهم من ساق
وقال بامامة كل هذا حاله في كل زمان وسيأتي فيما بعد تفصيل مذاهبهم وأما الامامية
فقالوا محمد بن على الباقر نصا عليه ثم بامامة جعفر ابن محمد الصادق وصية اليه ثم
اختلفوا بعده فى اولاده من المنصوص عليه وهم خمسة محمد واسمعيل وعبدالله وموسى
وعلى فمنهم من قال بامامة محمد وهم العمارية ومنهم من قال بامامة اسماعيل وانكر
موته في حياة ابيه وهم المباركية ومن هؤلاء من وقف عليه وقال برجعته ومنهم من ساق
الامامة فى اولاده نصا بعد نص الى يومنا هذا وهم الاسماعيلية ومنهم من قال بامامة عبدالله
الافطح وقال برجعته بعد موته لانه مات ولم يعقب ومنهم من قال بامامة موسى نصا عليه
اذ قال والده سابعكم قائمكم الا وهو سمى صاحب التوراة ثم هؤلاء اختلفوا فمنهم من
اقتصر عليه وقال برجعته اذ قال لم يمت هو ومنهم من توقف فى موته وهم الممطورة
ومنهم من قطع بموته وساق الامامة الى ابنه على بن موسى الرضا وهم القطعية ثم هؤلاء
اختلفوا فى كل ولد بعده فالاثنا عشرية ساقوا الامامة من على الرضا الى ابنه محمد
ثم الى ابنه على ثم الى ابنه الحسن ثم الى ابنه محمد القائم المنتظر الثانى عشر
وقالوا هو حى لم يمت ويرجع فيملا الدنيا عدلا
كما ملئت جورا وغيرهم ساقوا الامامة الى الحسن العسكرى ثم قالوا بامامة اخيه جعفر
وقالوا بالتوقف عليه او قالوا بالشك فى حال محمد ولهم خبط طويل فى سوق الامامة
والتوقف والقول بالرجعة بعد الموت والقول الغيبة ثم بالرجعة بعد الغيبة فهذه جملة الاختلاف فى الامامة وسيأتى تفصيل
ذلك عند ذكر المذاهب
الملل
والنحل ج: 1 ص: 30
واما
الاختلافات فى الاصول فحدثت فى اخر ايام الصحابة بدعة معبد الجهنى وغيلان الدمشقى
ويونس الاسواري فى القول بالقدر وانكار اضافة الخير والشر الى القدر ونسج على
منوالهم واصل بن عطاء الغزال وكان تلميذ الحسن البصري وتلمذ له عمرو بن عبيد وزاد
عليه في مسائل القدر وكان عمرو من دعاة يزيد الناقص ايام بنى امية ثم والى المنصور
وقال بامامته ومدحه المنصور يوما فقال نثرت الحب للناس فلقطوا غير عمرو بن
عبيد والوعيديه من الخوارج
والمرجئة من الجبرية والقدرية
ابتدءوا بدعتهم فى زمان الحسن واعتزل واصل عنهم وعن استاذه بالقول منه بالمنزلة
بين المنزلتين فسمى هو واصحابه معتزلة وقد تلمذ له زيد بن على واخذ الاصول فلذلك
صارت الزيدية كلهم معتزلة ومن رفض زيد بن على لانه خالف مذهب ابائه فى الاصول وفى
التبرى والتولى وهم اهل الكوفة وكانوا جماعة سموا رافضة ثم طالع بعد ذلك شيوخ
المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت ايام المامون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام
وافردتها فنا من فنون العلم وسمتها باسم الكلام اما لان اظهر مسالة تكلموا فيها
وتقاتلوا عليها هى مسالة الكلام فسمى النوع باسمها واما لمقابلتهم الفلاسفة فى
تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق والمنطق والكلام مترادفان وكان
ابو الهذيل العلاف شيخهم الاكبر وافق الفلاسفة فى ان البارى تعالى عالم بعلم وعلمه
ذاته وكذلك قادر بقدرة وقدرته ذاته وابدع بدعا فى الكلام والارادة وافعال العباد
والقول بالقدر والاجال والارزاق كما سياتى فى حكاية مذهبه وجرت بينه وبين هشام بن
الحكم مناظرات فى احكام التشبيه وابو يعقوب الشحام والادمى صاحبا ابى الهذيل
وافقاه فى ذلك كله
الملل
والنحل ج: 1 ص: 31
ثم ابراهيم بن سيار النظام فى
ايام المعتصم كان غلا فى تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع فى القدر
والرفض وعن اصحابه بمسائل نذكرها ومن اصحابه محمد بن شبيب وابو شمر وموسى بن عمران
والفضل الحدثى واحمد بن خابط ووافقه الاسوارى فى جيع ما ذهب اليه من البدع وكذلك
الاسكافية اصحاب ابى جعفر الاسكافى والجعفرية اصحاب الجعفر بن جعفر بن مبشر وجعفر
بن حرب ثم ظهرت بدع بشر بن المعتمر من
القول بالتولد والافراط فيه والميل الى الطبيعيين من الفلاسفة والقول بان الله
تعالى قادرعلى تعذيب الطفال واذ فعل ذلك فهو ظالم الى غير ذلك مما تفرد به عن
اصحابه وتلمذ له ابو موسى المردار راهب
المعتزلة وانفرد عنه بابطال اعجاز القران من جهة الفصاحة والبلاغة وفى ايامه جرت
اكثر التشديدات على السلف لقولهم بقدم القران وتلمذ له الجعفران وابو زفر ومحمد بن
سويد صاحبا المردار وابو جعفر الاسكافى وعيسى بن الهيثم صاحبا جعفر بن حرب
الاشج وممن بالغ فى القول بالقدر هشام بن
عمرو الفوطى والاصم من اصحابه وقدحا فى امامة على لرضى الله عنه بقولهما ان الامامة
لا تنعقد الا باجماع الامة عن بكرة ابيهم والفوطى والاصم اتفقا على ان الله تعالى
يستحيل ان يكون عالما بالاشياء قبل كونها ومنعا كون
المعدوم شيئا وابو الحسين الخياط واحمد
بن على الشطوى صحبا عيسى الصوفى ثم لزما ابا مجالد وتلمذ الكعبي لابى الحسين الخياط ومذهبه بعينه
مذهبه واما معمر بن عباد السلمى وثمامة بن اشرس النميرى وابو عثمان عمرو بن بحر
الجاحظ فكانوا فى زمان واحد متقاربين فى
الراى والاعتقاد منفردين عن اصحابهم بمسائل فى موضعها نذكرها والمتاخرون منهم ابو على الجبائي وابنه ابو
هاشم والقاضي عبد الجبار
الملل
والنحل ج: 1 ص: 32
وابو
الحسين البصري قد لخصوا طرق اصحابهم وانفردوا عنهم بمسائل ستأتى اما رونق الكلام فابتداؤه من الخلفاء
العباسيين هارون والمامون والمعتصم والواثق والمتوكل وانتهاؤه من الصاحب بن عباد
وجماعة من الديالمة وظهرت جماعة من
المعتزلة متوسطين مثل ضرار بن عمرو وحفص الفرد والحسين النجار ومن المتاخرين
خالفوا الشيوخ فى مسائل ونبغ منهم جهم بن صفوان فى ايام نصر بن سيار واظهر بدعته
فى الجبر بترمذ وقتله سالم بن احوز المازنى فى اخر ملك بنى امية بمرو وكانت بين المعتزلة وبين السلف فى كل زمان
اختلافات فى الصفات وكان السلف يناظرونهم عليها لا على قانون كلامى بل على قول
اقناعى ويسمون الصفاتيه فمن مثبت صفات البارى تعالى معانى قائمة بذاته ومن مشبه
صفاته بصفات الخلق وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة ويناظرون المعتزلة فى قدم
العالم على قول ظاهر وكان عبد الله بن سعيد الكلابى وابو العباس القلانسى والحارث
بن اسد المحاسبى اشبههم اتقانا وامتنهم كلاما وجرت مناظرة بين ابى الحسن على بن
اسماعيل الاشعري وبين استاذه ابى على الجبائي فى بعض مسائل التحسين والتقبيح فالزم
الاشعرى استاذه امورا لم يخرج عنها بجواب فاعرض عنه وانحاز الى طائفة السلف ونصر
مذهبهم على قاعدة كلامية فصار ذلك مذهبا منفردا وقرر طريقته جماعة من المحققين مثل
القاضي ابى بكر الباقلاني والاستاذ ابى اسحاق الاسفرائيني والاستاذ ابى بكر ابن
فورك وليس بينهم كثير اختلاف ونبغ رجل
متنمس بالزهد من سجستان يقال له ابو عبدالله محمد بن كرام قليل العلم قد قمش من كل
مذهب ضغثا واثبته فى كتابه وروجه على اغتام
الملل
والنحل ج: 1 ص: 33
غرجة
وغور وسواد بلاد خراسان فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا وقد نصره محمود بن سبكتكين
السلطان وصب البلاء على اصحاب الحديث والشيعة من جهتهم وهو اقرب مذهب الى
مذهب الخوارج وهم مجسمة وحاش غير محمد بن الهيصم فانه مقارب
TENTARA KHAWARIJ TINGGAL 10 ORANG
الملل والنحل ج: 1 ص: 117
فقاتلهم علي رضي الله عنه
بالنهروان مقاتلة شديدة فما انفلت منهم إلا أقل من عشرة وما قتل من المسلمين إلا أقل من عشرة فانهزم اثنان منهم إلى عمان واثنان إلى كرمان
واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة وواحد إلى تل مورون باليمن وظهرت بدع الخوارج
في هذه المواضع منهم وبقيت إلى اليوم